محمد فودة يكتب:شعبان ورمضان وجهان لروحانيات واحدة

رمضان,شهر رمضان,القرآن الكريم

رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة

محمد فودة يكتب: "شعبان" و"رمضان" وجهان لروحانيات واحدة

الشورى

-           نعيش أيامًا مباركة تفوح بالروحانيات نستعد خلالها لاستقبال الشهر الفضيل

-           ليتنا نستثمر هذه الأيام الطيبة ونجعلها نقطة انطلاق حقيقية نحو عالم نظيف

-           أتمنى إعادة إحياء العادات والتقاليد النبيلة ومد جسور المحبة مع الجميع

-           عمل الخير يخلق حالة من الترابط الإنسانى ويدعم التكافل الاجتماعى.. وأنشطة المسئولية الاجتماعية "صمام أمان" للجميع

 

نعيش الآن روحانيات شهر شعبان، هذا الشهر المبارك الذى قال عنه المصطفى صلى الله عليه وسلم:" رجبٌ شَهرُ اللَّهِ تعالى وشعبانُ شَهرى ورمضانُ شَهرُ أمَّتى"، لذا كان يحرص على أن يصومه كاملًا أو يصوم الشهر إلا أياما قليلة معدودة، وقد ورد حديث عن ذلك الأمر حينما سأل أسامة بن زيد، رضى الله عنه، الرسول عن شهر شعبان فقال: (ذلِكَ شَهْرٌ يَغفُلُ النَّاسُ عنهُ بينَ رجبٍ ورمضانَ، وَهوَ شَهْرٌ تُرفَعُ فيهِ الأعمالُ إلى ربِّ العالمينَ، فأحبُّ أن يُرفَعَ عمَلى وأَنا صائمٌ(.

وهو ما يدفعنى لتوجيه دعوة لأن نستثمر هذه النفحات والروحانيات والمشاعر الفياضة ونقتنص ما بها من فضل عظيم، وذلك بالإكثار من التقرب إلى الله قدر استطاعتنا بتنقية القلوب وبصالح الأعمال.

 

وليت كل من فاته فضل الاغتراف من نفحات شهر رجب عليه أن يقتنص تلك الأيام الروحانية المباركة التى نعيشها، ونجعل منها نقطة انطلاق حقيقية وصادقة ونابعة من القلب، فأبواب السماء مفتوحة دائمًا لمن يدعو من قلبه وبإخلاص شديد وأبواب السماء مفتوحة لتقبل كل عمل صالح نفعله خالصًا لوجه الله، خاصة ونحن مقبلون على شهر رمضان المعظم الذى ننتظره من العام للعام، لذلك يتوجب علينا أن نستثمر هذه الأيام بالشكل الأمثل، وبالطريقة التى تفوق كونها مجرد أيام مباركة، بل علينا أن نجعل منها نقطة انطلاق حقيقية لتنقية القلوب والتخلص من منغصات الحياة التى للأسف الشديد، تحولت إلى شبح يهدد استقرارنا الوجدانى نتيجة طغيان لغة المصالح وتفشى الآثام، والبعد عن تعاليم الدين السمحة التى تحض على المحبة والود وسمو المشاعر والأحاسيس من أجل العيش فى سلام وسكينة وراحة فقد جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضى الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال"«يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ، يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ" ومن أفضل الأشياء التى يحبها الله هى كثرة الاستغفار.

 

هذه الأيام فى تقديرى الشخصى بمثابة كنز عطاء من الله سبحانه وتعالى، حيث تسمى أيام شهر شعبان بـ"النفحات"، حيث يقول حبيبنا صلى الله عليه وسلم "إن لربكم فى أيام دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها لعل أحدكم أن تدركه نفحة فلا يشقى بعدها أبداً"، ولشهر شعبان فضائل كبرى فهو الشهر الثامن من شهور السنة الهجرية، حيث يأتى بعد شهر رجب وقبل رمضان، وكان شهر شعبان من أحب وأفضل الشهور عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، مصداقًا لما رُوى عن أم المؤمنين عائشة، رضى الله عنها، أنها قالت: (كانَ أحبَّ الشُّهورِ إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ أن يَصومَهُ: شعبانُ، ثمَّ يصلُهُ برمضانَ)، وكان الصحابة، رضى الله عنهم، يستعدون لاستقبال رمضان فى ذلك الشهر المبارك، ويتسابقون خلاله بالطاعات، فتجدهم يكثرون من الصدقات، وتدارُس القرآن الكريم وتلاوته، والصيام، مصداقًا لما روته لؤلؤة مولاة عمار بن ياسر، رضى الله عنها، أنّ عمارًا كان يتهيّأ لصوم شعبان كما يتهيّأ لصوم رمضان، وكانوا رضى الله عنهم يعتنون بشهر شعبان اعتناءً خاصًا لِما علموا من كراماته ونفحاته، وقد نبّه رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين إلى غفلة الناس عن عِظم فضل شهر شعبان، وحثّهم على استغلاله بالعمل الصالح، حيث قال: (ذاك شهرٌ يغفَلُ النَّاسُ عنه بين رجبَ ورمضانَ)، ومن أهم ما يميّز شهر شعبان رفع الأعمال فيه إلى رب العالمين، فبعد تسجيل أعمال العباد فى الصحائف، تُرفع أعمال النهار فى آخره قبل الليل، وتُرفع أعمال الليل فى آخره قبل النهار، وتُرفع أعمال الأسبوع فى يومى الاثنين والخميس، وتُرفع أعمال العام فى شهر شعبان، والأحاديث الواردة فى فضل شهر شعبان كثيرة ومنها: ما روته أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها، (كانَ أحبَّ الشُّهورِ إلى رسولِ اللَّهِصلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أن يصومَهُ شَعبانُ، بل كانَ يصلُهُ برَمضانَ)، وما روته أم المؤمنين عائشة: (كان رسولُ اللهِ يصومُ حتى نقولَ: لا يُفطِرُ، ويُفطِرُ حتى نقولَ: لا يصومُ، وما رأَيتُ رسولَ اللهِ استكمَلَ صيامَ شهرٍ قطُّ إلَّا رَمَضانَ، وما رأيتُه فى شهرٍ أكثرَ صيامًا منه فى شعبانَ، زاد: كان يصومُه إلَّا قليلًا، بل كان يصومُه كلَّه، كما أن هناك ليلة النصف من شعبان وهذه ليلة لها فضل عظيم، فقد خصّها الله -سبحانه وتعالى- بأن جعلها ليلةً يغفِرُ فيها لخلقه، وقد ورد ذلك عن النبى صلى الله عليه وسلم أنّه قال: (إنَّ اللَّهَ ليطَّلعُ فى ليلةِ النِّصفِ من شعبانَ فيغفرُ لجميعِ خلقِه إلَّا لمشرِك أو مشاحنٍ) فيجب على المسلم أن يغتنم هذه الأيام المُباركة بالصيام والطاعة، وأن يصبر نفسه مع الذين يريدون وجه الله تعالى ويبغون فضله ويخافون عذابه.

 

وكلها أيام ويهل علينا شهر رمضان المبارك ونستعيد معه تلك الأجواء والروحانيات التى تهب علينا بنسائم الحب والود والتراحم، فقد كانت روحانيات الشهر الكريم تمثل مصدر سعادة للكثيرين ومبعث البهجة فى النفوس، ونقطة فارقة فى حياتنا حيث التسامح والعلاقات الإنسانية النبيلة حينما كان يسود الدفء العائلى، وكانت اللمة التى تجمع كل أفراد الأسرة فى وقت واحد، تلك اللمة التى ضاعت وسط ركام الحياة القاسية.

 

وطالما نحن نعيش تلك الأيام المملوءة بالنفحات ليتنا نرتشف من رحيقها ونتسابق لعمل الخير، وليتنا ننقى قلوبنا من كافة مظاهر الحقد والكراهية وأن نشيع بيننا الحب كما يجب أن يكون، وأن نبتعد عن القيل والقال وعن إطلاق الشائعات التى أفسدت العلاقات بين الناس بل جعلت أفراد الأسرة الواحدة يعيشون وكأنهم فى جزر منعزلة، مما يدعونى للقول بأننا ليتنا ننتهز فرصة شهر شعبان والدخول من بعده لشهر رمضان المبارك الذى ننتظره بفارغ الصبر، بإصلاح ما أفسده الزمن وأن نزين حياتنا بحب الله وأن نعيد إحياء العادات والتقاليد النبيلة التى كانت من قبل سببًا فى تقريب الناس من بعضهم البعض فهذه فرصة لن تتكرر سوى مرة من العام  للعام.

نعم علينا أن نجتهد فى هذه الأيام المباركة ونستعد لاستقبال شهر رمضان، ونلتزم بالطاعات والعبادات حتى  يخرج كل منا بمشيئة الله فى شهر رمضان المقبل وهو مغفور الذنب بعد الصيام والقيام والطاعات، فهنيئًا لمن عمل صالحًا فى تلك الأيام واستطاع أن ينال الثواب العظيم الذى وعدنا به الخالق جل شأنه، أتمنى ونحن فى هذه الأيام الطيبة أن يتقرب فيها بعضنا بعضًا، فى خطوة إيجابية وفعالة على أرض الواقع، ما يجعلنا نترجم وبشكل حقيقى قيمة التكافل الاجتماعى، تلك الفلسفة التى تعد من أهم وأبرز مبادئ ديننا الحنيف، هذا الدين السمح الذى يحضنا على البر والتقوى فليتنا نستثمر هذه الأيام وما بها من نفحات وروحانيات تسيطر على العقول وتملأ القلوب العامرة بذكر الله، ونجعلها نقطة انطلاق حقيقية نحو عالم نظيف نمد فيه جسور المحبة فيما بيننا، محبة حقيقية وخالصة لوجه الله، منزهة عن أى غرض دنيوى أو مصلحة شخصية.